بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المجموع في تفسير (لفظ الجلالة "الله" | الإءله | اللهم)
أسماء الله الحسنى
الله | اللهم | الإءله .
و شهود اسم "الله" من أجمع المشاهد .لف
1)
أن يشهد العبد هذا الكون الفسيح [2] كل ذرة فيه فما دونها فما فوقها و قد
وجب عليها الخضوع لله ظاهرا و باطنا فأجابت أمر الله طوعا أو كرها إلا ما
كان من مكلفي الإنس و الجن إلى حين حتى يأتي الجزاء العادل في الآخرة و هذا
الكون الفسيح من حوله قليل في ملكوت هائل عظيم لا يُعلم مداه [3].
2)
أن يتدبر العبد في استحقاق الله لكل ألوان العبادات من كل مخلوق بتمام
الصدق و النصح ثم ينظر لبعض هذه العبادات فينظر لعبادة المحبة مثلا و يتدبر
أنه ثبت بالدليل أن الله مستحق لغاية الحب و أقصاه و أرقه و أصدقه و أصفاه
ثم يتدبر في أسباب استحقاق ذلك الحب من البر و الرحمة و اللطف و الرفق و
الرزق و الإنعام و إجابة الدعاء و نصرة المظلوم و إغاثة الملهوف و نحو ذلك
فإن لم يعرف الأسباب فيوقن أن هناك أسباب فاتته لقصر نظره و ضعف عقله فهو
لا يعدو كونه مخلوقا ضعيفا فلا بد أن يكون مقتضى تلك العبادة موجودا و إن
جهله من جهله، و يتدبر في عبادة الخوف فيستحضر ما أسلفنا من أسبابها التي
أوجبتها و أنه واجبة على خلق الله ثم يستحضر عبادة الرجاء و يستحضر فيها ما
أسلفنا وثم يستحضر الصلاة و ما فيها من القنوت و السجود و الزكاة و الحج و
ما فيهما من البذل و العطاء و لا يزال العبد يستحضر في العبادات و ينظر في
أسباب استحقاقها فيلتفت بذلك لألوان من الكمال و الجلال و البر في ربه
سبحانه.
3) أن يسكن العبد إلى ربه ويجمع قلبه عليه بالإقبال عليه
بكليته مستشعرا التوحيد من كل ذرة في بدنه و لو للحظات يسيرة و يا حبذا لو
كان في السجود.
4) استحضار العبد لحال فقره الدائم إلى ربه و أنه لا
يستغني عنه طرفة عين ثم يجمع قلبه فعلا على الافتقار إلى ربه ليغنيه في كل
أمره عن غيره.
5) استحضار العبد الشرور التي حوله ما علم منها و ما
جهل و أن نجاته في الاحتماء بربه ثم يجمع قلبه فعلا على الاعتصام بالله
ليحميه من كل شر و يمنعه.
فالإنسان ضعيف و الأخطار المحيطة به في
الدنيا لا يحصيها إلا الله و لكن العبد يعتصم بالله و يمتنع به ثم يطمئن به
، و هذا من السعادة الحقيقية التي حُرم منها أهل الكفر و النفاق.
6)
أن يشهد العبد صفات الكمال و آثارها فيثمر ذلك في قلبه التفريق الواضح بين
الإله العظيم و العبيد الأذلاء مهما بلغ عددهم و سطوتهم و حالهم في الدنيا
فيرى الخلق كلهم لو اجتمعوا على أمر لم يقضه الله فهم أحقر من أن يمضوه
فيرى عز الألوهية و ذل العبودية و يرى أمور الدنيا في نصابها الصحيح.
7)
أن ينزل العبد همه و ما يشغله و يعكره بالله ثم يعتمد عليه في أمره كله و
يفوض له أمره كله فيكون الرب سبحانه معتَمدا لقلبه ثم يستشعر الاطمئنان
بالله فهو باق لا يزول و هو وكيل لمن توكل عليه و هو عظيم قادر بالغ أمره و
هذه العبادة لها راحة و طمأنينة حُرمها أغلب الخلق و ترى الرجل عنده عظيم
المال و الجاه و لكنه قلق مضطرب خائف حائر و الرجل في قلبه الإيمان و قد
أحسن التوكل على ربه ووثق فيه فترى على وجهه النضرة و السعادة.
و يرى العبد في هذا المشهد أن يرى العبد قدر التوحيد و الإخلاص و فساد و قبح الكفر و الشرك .
9) أن يفزع العبد لربه و يلجأ إليه في كل ملمة – و نسأل الله العافية - .
10) أن يستخرج العبد من قلبه أصفى المشاعر و أصدقها و أرقها لله ربه سبحانه و يستشعر الشوق إليه و الإقبال عليه.
11) أن يستحضر المرء خضوع ظاهره و باطنه لله بصدق.
12)
أن يتدبر في أن الله سبحانه الأول قبل كل شيء و الأخر
بعد كل شيء مجده دائم و عزه لا يزول ، هو سبحانه يُفني ما يشاء و يبقى
سبحانه هو الواحد القهار و يتذكر أحوال المعظمين من الخلق فيقارنهم بتلك
الحالة.
13) أن يستحضر العبد محبته لربه و رجاؤه
له فيضطرب قلبه من الحب و الشوق و الرجاء و يستحضر أيضا حاله و تفريطه في
حق الرب العظيم فيضطرب قلبه بالوجل و الإشفاق.
14)
أن يتدبر العبد في حال العباد و أن حاجتهم لله فوق كل حاجة و كيف أن
أغلبهم يئن لبعده عن الله سبحانه رغم أن كثير منهم لا يلاحظ هذا و لا يخطر
بباله قط و كيف أن كل منهم يبحث عن السعادة فيخطئ طريقها و ما علم أن
سعادة الدنيا و الآخرة في سجدة يقبل فيها العبد بكليته على ربه صادقا محبا
خاشعا أو في دمعة صادقة تخرج في لحظة خوف أو رجاء ،ألا ترى أغلب الخلق
تائهون في كل وادٍ ،متعبدون لكل هوى و شهوة فتدبر حالهم يوجب النفور منه .
15)
أن يتدبر المرء في عظمة الله سبحانه من خلال رؤيته
لآثار أسماءه و صفاته و أفعاله في الكون العظيم فيرى هذا الكون انعكاسا
لقدرة الله و كماله سبحانه و يتحير عقله في تلك العظمة الإلهية.
16) أن ترى عظيم قدرة الله سبحانه في حمله الخلق على مراده منهم طوعا و كرها.
17)
أنه لما علم استحقاق الله للعبادات القلبية فيقبل على
استطاع منها فيحب الله سبحانه أعلى الحب و أصدقه و يخشاه أشد الخشية و
أعمقها و يلجأ إليه في أمره أشد من لُجأ الصبي لأمه الحنون فيتوكل عليه و
يعتصم به و يعوذ و يلوذ و يحتمي به و يخشع له و يرضى به و يفر بقلبه إليه و
يرجوه أعظم الرجاء و يستحيي منه و يصدق في إيمانه به و يطمئن قلبه بذكره و
أن يعظمه بما يليق بقدره و يشتاق للقائه.
*** قال أهل العلم :واسم "الله" هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى، والصفات العلى و استدلوا:
1.
أن الأسماء الحسنى تضاف إليه و لا يضاف إليها فيقال الرحمن من أسماء الله
و لا يقال :الله من أسماء الرحمن و لكن يقال الرحمن من أسماء الله.
2.
أن هذا الاسم العظيم يثبت لله صفة الألوهية و هو مشتق منها و صفات
الإلهيّة هي صفات الكمال ، المنزّهة عن التّشبيه والمثال ، وعن العيوب
والنّقائص .(و قد أسلفنا بسط هذه الجزئية)
*** تأويل "الله" (قد سبق و فصلنا المعاني التي دل عليها لفظ الجلالة و لكن هنا ذكر لبعض أقوال أهل العلم):
1.
قال صاحب فتح المجيد: وأما تأويل " الله " فإنه على معنى ما روي لنا عن
عبد الله بن عباس قال : " هو الذي يألهه كل شيء ويعبده كل خلق "[4] وساق
بسنده عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال : " الله ذو الألوهية والعبودية
على خلقه أجمعين "[5] فإن قال لنا قائل : وما دل على أن الألوهية هي
العبادة ؟ وأن الإله هو المعبود ، وأن له أصلا في فَعِلَ وَيَفْعَلُ ؟
وذكر بيت رؤبة بن العجاج :
لله در الغانيات المُدَّهِ ... سبحن واسترجعن من تألهي
يعني
من تعبدي وطلبي الله بعملي ولا شك أن التأله التفعل ، من أله يأله وأن
معنى " أله " إذا نطق به : عَبَدَ الله وقد جاء منه مصدر يدل على أن العرب
قد نطقت به بفعِل يفعَلُ بغير زيادة .
وذلك ما حدثنا به سفيان بن
وكيع - وساق السند إلى ابن عباس " أنه قرأ ( ويذرك وإلاهتَكَ ) قال :
عبادتك ويقول : إنه كان يُعبد ولا يعبُد "[6] وساق بسند آخر عن ابن عباس (
ويذرك وإلاهتك ) قال : " إنما كان فرعون يُعبد ولا يَعبد وذكر مثله عن
مجاهد[7] ، ثم قال : فقد بين قول ابن عباس ومجاهد هذا : أن " أله " عبد وأن
الإلاهة مصدره وساق حديثا عن أبي سعيد مرفوعا « أن عيسى أسلمته أمه إلى
الكتاب ليعلمه ، فقال له المعلم : اكتب بسم الله . فقال عيسى : أتدري ما
الله ؟ الله إله الإلهة »[8] .
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- :
فاسمه " الله " دل على كونه مألوها معبودا يألهه الخلائق : محبة وتعظيما
وخضوعا ، ومفزعا إليه في الحوائج والنوائب وذلك مستلزم لكمال ربوبيته
ورحمته ، المتضمنين لكمال الملك والحمد ، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه
، مستلزم لجميع صفات كماله ، إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي ، ولا سميع ،
ولا بصير ، ولا قادر ، ولا متكلم ، ولا فعال لما يريد ، ولا حكيم في
أقواله وأفعاله .
وقال ابن العربي علم دال على الاله الحق دلالة جامعة لجميع الاسماء الحسنى الالهية الاحدية جمع جميع الحقائق الوجودية.
قلت : فالمختار أن اسم الله مشتق من الإله فمعناه المعبود بحق أو المستحق للعبادة .
2.
قال الحليمي في معنى « الله » : إنه الإله ، وهذا أكبر الأسماء وأجمعها
للمعاني ، والأشبه أنه كأسماء الأعلام موضوع غير مشتق ، ومعناه القديم
التام القدرة ، فإنه إذا كان سابقا لعامة الموجودات كان وجودها به ، وإذا
كان تام القدرة أوجد المعدوم ، وصرف ما يوجده على ما يريده ، فاختص لذلك
باسم الإله ، ولهذا لا يجوز أن يسمى بهذا الاسم أحد سواه بوجه من الوجوه ،
قال : ومن قال الإله هو المستحق للعبادة ، فقد رجع قوله إلى أن الإله إذا
كان هو القديم التام القدرة كان كل موجود سواه صنيعا له ، والمصنوع إذا علم
صانعه كان حقا عليه أن يستخذي له بالطاعة ويذل له بالعبودية ، لا أن هذا
المعنى بتفسير هذا الاسم قلت : وهذا الاستحقاق لا يوجب على تاركه إثما ولا
عقابا ما لم يؤمر به ، قال الله عز وجل : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ،
والمعنى الأول أصح.
3. قال القرطبي: وقيل: معناه واجب الوجود الذي لم يزل ولا يزال .