والصلاة والسلام على سيدنا محمد اشرف الأنبياء والمرسلين وعلى اله وصحبه وسلم .
حزب البحر للإمام الشاذلي رضي الله عنه شرح سيدي احمد زروق رحمه الله
وهذا هو الحزب المبارك.
اللهم يا علي , يا عظيم , يا حليم , يا عليم , آنت ربي وعلمك حسبي , فنعم الرب ربي ونعم الحسب حسبي , تنصر من تشاء وآنت العزيز الرحيم , نسالك العصمة في الحركات والسكنات والكلمات والارادات والخطرات من الشكوك والضنون والأوهام الساترة للقلوب عن مطالعة الغيوب , فقد ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا , وأذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا , فثبتنا وانصرنا , وسخر لنا هذا البحر كما سخرت البحر لموسى عليه السلام , وسخرت النار لإبراهيم عليه السلام , وسخرت الجبال والحديد لداود عليه السلام , وسخرت الريح والشياطين والجن لسليمان عليه السلام , وسخر لنا كل بحر هو لك في الأرض والسماء , والملك والملكوت , وبحر الدنيا وبحر الآخرة , وسخر لنا كل شيء , يا من بيده ملكوت كل شيء , كهيعص , كهيعص , كهيعص , انصرنا فانك خير الناصرين , وافتح لنا فانك خير الفاتحين , واغفر لنا فانك خير الغافرين , وارحمنا فانك خير الراحمين , وارزقنا فانك خير الرازقين , واهنا ونجنا من القوم من القوم الظالمين , وهب لنا ريحا طيبة كما هي في علمك , وانشرها علينا من خزائن رحمتك , واحملنا بها حمل الكرامة مع السلامة والعافية في الدين والدنيا والآخرة انك على كل شيء قدير , اللهم يسر لنا أمورنا مع الراحة لقلوبنا وأبداننا , مع السلامة والعافية في ديننا ودنيانا , وكن لنا صاحبا في سفرنا , وخليفة في أهلنا , واطمس على وجوه أعدائنا , وامسخهم على مكانتهم فلا يستطيعون المضيء ولا المجيء إلينا , ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فآني يبصرون , ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون , يس , والقران الحكيم , انك لمن المرسلين , على صراط مستقيم , تنزيل العزيز الرحيم , لتندر قوما ما انذر آباؤهم فهم غافلون , لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون , انا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون , وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم لا يبصرون , شاهت الوجوه , شاهت الوجوه , شاهت الوجوه , وعنت الوجوه للحي القيوم , وقد خاب من حمل ظلما , طس , حمعسق , مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان , ( حم , حم , حم ,حم ,حم ,حم ,حم ) حُم الآمر , وجاء النصر , فعلينا لا ينصرون ( حم , تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم , غافر الذنب وقابل التوب , شديد العقاب , ذي الطول , لا اله إلا هو إليه المصير ) ,بسم الله بابنا , تبارك حيطاننا , يس سقفنا , كهيعص كفايتنا , حمعسق حمايتنا ( فسيكفكهم الله وهو السميع العليم – ثلاثا - ) , ستر العرش مسبولا علينا , وعين الله ناظرة إلينا , بحول الله لا يقدر علينا , والله من ورائهم محيط , بل هو قران مجيد في لوح محفوظ , ( فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين – ثلاثا - ) , ( إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين – ثلاثا - ) , (فان تولوا فقل حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم , – ثلاثا-) , ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم – ثلاثا - ) , ( ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم – ثلاثا - ) , وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا , والحمد لله رب العالمين , نصر من الله وفتح قريب , وبشر المؤمنين , هو الأول والآخر والظاهر والباطن , وهو بكل شيء عليم , ليس كمثله شيء وهو السميع البصير نعم المولى ونعم النصير , غفرانك ربنا واليك المصير .
--------------------------------------------------
الشرح والتحليل :
-------------
قال الشيخ رضي الله عنه ( اللهم يا علي , يا عظيم , يا حليم , يا عليم , أنت ربي , وعلمك حسبي , فنعم الرب ربي , ونعم الحسب حسبي , تنصر من تشاء وأنت العزيز الرحيم )
افتتح الشيخ الحزب بهذه الجملة لأنها تشعر بعظمة الربوبية , وذلة العبودية , والاكتفاء بعلمه , والرجوع إليه بكل حال , والتفويض له في الأمر موافقا للغرض أو مخالفا له , مع الثناء عليه بكل بكمال الوصف الذاتي أولا , والفعلي أخرا , لان كمال التوجه إنما يكون بذلك , فكل توجه لا يشعر صاحبه بعظمة الربوبية , وذلة العبودية فيه , فهو تلاعب ونحوه .
وبذلك وقع الجواب عن عدم انتفاع كثير من الناس بأدعية وأذكار صحيحة الوعد بالإجابة , مجزئة عند آهل الصدق والإخلاص .
والاكتفاء بعلمه تعالى , مع حسن الظن به , والتفويض إليه في الإجابة والعطاء من آداب الدعاء , وعمدة شانه , حتى قال الشيخ محمد عبد العزيز المهدوي رضي الله عنه -- من لم يكن في دعائه تاركا لاختياره , راضيا باختيار الحق له فهو مستدرج , وهو ممن قيل له : اقض حاجته فاني اكره أن اسمع صوته .
فان كان مع اختيار الحق تعالى , لامع اختياره لنفسه , كان مجابا , وان لم يعط , والأعمال بخواتيمها .
ثم الذي تضمنته الجملة من الأسماء عشرة , سبعة ظاهرة , وثلاثة باطنة - اي تفهم فهما ولم يصرح بها تصريحا كالسبعة الظاهرة - .
فآما السبعة الظاهرة فهي اسمه : العلي , العظيم , الحليم , العليم , الرب , العزيز , الرحيم .
واما الثلاثة الباطنة فهي اسمه : الكافي , النصير , الفعال لما يريد .
------------------
معانيها :
---------
فالعلي : هو الذي يصغر عند ذكر وصفه كل شيء سواه .
والعظيم : هو الذي لا نسبة لاحد معه في علو شانه , وجلالة قدره , ذاتا , وصفة , واسماء , وافعالا .
ثم , هو العلي في عظمته فوق كل عظمة لغيره , والعظيم في علوه عن كل علو لا يليق بذاته .
والاسمان متدخلان , يسري معنى كل منهما في الآخر بارتفاع الوصف إلى غاية ما يراد به .
والحليم : هو الذي لا يدعوه الغضب لتعجيل العقوبة على من عصاه , فيمهل العاصي وان كان لا يهمله , ثم إذا ترك العقوبة فهو غفور رحيم .
والعليم : هو المحيط حلمه بالكائنات ,. وغيرها , إحاطة لا يدخلها قصور , ولا شرط , فهو يعلم ذنوب عباده ولايعاجلهم بالعقوبة حلما منه , وذلك من عظمته وعلو شانه الذي ظهر به البحر , وجرى به التصرف فيه .
وكان هذا من باب التعريض بذكر الأسماء المناسبة للحالة , لان البحر مخلوق عظيم , علي في شانه , وقد ظهر فيه من عظمة الله وعلو شانه ما ذلله للخلق , وسخره لهم , حتى أكلوا منه لحما طريا , واستخرجوا منه حلية يلبسونها , واجرى فيه الفلك بما شاء من قدرته , فلم يبق لعلوه ولا لعظمته نسبة إلا الدلالة على عظمة مسخره وعلو شانه .
ثم ان البحر يركبه العاصي والمطيع , فلم يسلطه عليهم حلما منه ولطفا لا , مع علمه بجرمهم فيه , بل إذا تأملت وجدت القائمين فيه , والمترددين له اشد الناس عصيانا , وأكثرهم تمردا , حتى يتحقق ان السير فيه بفضل الله ورحمته , وان الأسباب لا اثر لها في البحر .
فالبحر دال على عظمة الله بذاته وصفاته , وعل علمه بأفعال الخلق فيه ,. وكل ذلك من علو شانه تعالى في ذاته , وصفاته , وافعاله , اذ لا اعظم من حلم مع علم , ولا أقوى من عظمة في علو شان .
وقد قيل إن هذه الجملة هي اسم الله الأعظم , ورجحه ابن عبد البر , وهو مقتضى الأصل في الأولين , ومرجع الفروع في الآخرين .
وقيل لبعض الناس في المنام : كل اسم سرى معناه في الأسماء فهو الأعظم , وذلك في الأسماء الحسنى بسبعة او ثمانية منها العظيم , وليس منها الرحمن .
قلت : وعلى ذلك الأحاديث , إذ لا يوجد ما جاء فيه انه الاسم الأعظم إلا كذلك , مع اختلاف الألفاظ وتعدد الأسماء والأوصاف , مرة بالبسط والجمع , ومرة بالأفراد والتركيب , فافهم .
فاسمه تعالى ( العلي العظيم ) سار بيَن في اسمه ( العليم ) و ( الحليم ) لانه علا في حلمه وعلمه , وعظيم في ذلك كله , ولاجل سريانها في كل معنى تعلق بالذات والصفات والأفعال , جعلا خاتمة آية الكرسي التي افتتحها بأسماء الذات , ثم جوامع الصفات , ثم ما يجري في الأفعال وتجري به , فافهم .
ثم من علم انه العلي العظيم لزم التعظيم والإجلال قلبه , وانطبعت به روحه , وانبسط به سره , فلم يبق له عن نفسه إخبار , ولا يقر له مع غير الله قرار , ومن علم انه عليم , حليم به , راجيا إحسانه , ومحسنا الظن به في جميع الأحوال فلم يبقى للبحر ولا لغيره في عينه نسبة , شغفا بمولاه , وفناء فيه دون ما سواه فيقول بكل جارحة فيه :
-- آنت ربي , الذي لا رب غيره ## ولا يصح , أن يكون لي رب غيره
لكمال وصفه في عظمته , وعلو شانه , فلا أبالي بغيره , ولا أتوجه لسواه , ولا أرجو النفع واخشى الضر من غيره .
والرب : المالك الذي يرعى عباده بإحسانه فلا ملك غيره , ولا مدبر سواه .
فكلمة الشيخ - آنت ربي - تبر من التعلق بسواه .
وقول الشيخ : (علمك حسبي ) : اكتفاء بعلم الله , ومن لازم ذلك التفويض إليه فيما هو به , والنظر لما عنده بلا سبب من نفسه .
ومعنى ( حسبي ) : يكفيني فيما آنا فيه , وهو في هذا الكلام متأسيا بخليل الله - إبراهيم عليه السلام - حين زُج به في المنجنيق , فتلقاه جبريل قائلا : آلك حاجة ؟ , قال : آما إليك فلا , واما إلى ربي فبلى , قال : أذن فأساله ؟
قال : " حسبي من سؤالي علمه بحالي " .
وهو طريق العارفين عند تعذر الأسباب , اعني الرجوع للعلم بالاستسلام , وترك الطلب , بخلاف حال قبول المحل للأسباب , فان العمل بها مطلوب , واعتبر هذا بأمر أم موسى بإلقائه في البحر , وإجابة الملائكة للوط عليه السلام , بقولها : (( انه جاء أمر ربك )) عند قوله لقومه : (( لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد )) .
فهو صلوات الله عليه وسلامه , أراد مقابلتهم بالإسبال لو وجدها , فاجيب بنفوذ الآمر , وانه لا محل لها , ولذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (( يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد )) , على معنى أن ترحمه عليه إنما كان لظنه أن الأسباب بقى لها محل , لا يفهمه من لا حقيقة عنده , مما يؤدي إلى الضلال ونحوه , فافهم
-- أنواع التوجه إلى الله بالدعاء
واعلم أن التوجهات عند الاحتياج ثلاثة :
أولها : التوجه بالاستسلام , وذلك عند تعذر الأسباب كما تقدم .
الثاني : التوجه بالسؤال والطلب , وذلك عند انشراح القلب , وجريانه بالمعتاد , وموقف تذكر النفوس بالافتقار , حيث غفلتها عن التوحيد والاضطرار , أو يكون انبساط تعليم أو تذكير أو نحوه .
الثالث : التوجه بالتفويض , وذلك حين يغلب حسن الظن والاكتفاء بالعلم , وبتحقيق التوحيد , والاشتغال بالذكر , كقول إبراهيم عليه السلام ( والذي اطمع ان يغفر لي خطيئتي يوم الدين ) , وقول موسى عليه السلام ( رب أني لما أنزلت ألي من خير فقير ) , وقول نبينا صلى الله عليه وسلم
لا غنى لي عن عافيتك , عافيتك أوسع لي )
إلى غير ذلك .
وقالوا -- اذكر حاجتي أم قد كفاني ## حياؤك , إن شيمتك الحياء
-- إذا أثنى عليك المرء يوما ## كفاه من تعرضه الثناء
و إنما كان البحر لامدخل للأسباب في تسخيره , فحسن التفويض في شانه .
ولما كان مما تداخله الأسباب في التصرف فيه حسن السؤال في ذلك , فلذلك جمع الشيخ بينهما , فانظر ذلك .
وقول الشيخ رضي الله عنه ( فنعم الرب ربي .ونعم الحسب حسبي ) :
اتى به الشيخ للاستشعار بعظيم الثناء , حتى تسكن النفس له تعالى مما يريد طلبه والتوجه فيه , لشعورها بالعظمة فيما هي به , وإلا فهي جملة متحققة , اذ هو نعم المولى ونعم النصير , ومن كان كذلك لا يخذل من تعلق به , ولا يهمل من استند إليه , ومن توكل عليه , قال تعالى (( ومن يتوكل على الله فهو حسبه , آي كافيه , ووافيه , وناصره .
وقد اخبر الله سبحانه وتعالى عن قوم قائلا (( قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله )) .
فجعل خاصية هذا الذكر لمن قال بإخلاص جريان النعمة والفضل , وصرف السوء , وحصول التوفيق , ثم عرض بالزيادة على ذلك اذ قال تعالى (( والله ذو فضل عظيم )) .
وقد كان نقش خاتم مالك عليه السلام -- حسبنا الله ونعم الوكيل -- , فقيل له في ذلك , فقال : ذكرناه بها , فافهم .
وقول الشيخ ( تنصر من تشاء )) :
هو موقف التفويض بالرجوع إلى انه يفعل ما يشاء , فلا ينازع في حكمه , ولا يكون إلا ما يريد , لانه العزيز , آي الغالب الذي لا يُغلب , والقادر الذي لا يرد أمره , فلا يسع إلا الاستسلام له , والرحيم الذي يرحم عباده بإيصال إمداده من نصر وغيره , بظهور العزة في المنصور عليهم , وظهور الرحمة في المنصورين , فرحم هولاء بعين ما به نصر على هولاء , قال تعالى ( يعذب من يشاء ويرحم من يشاء واليه تقلبون )) .
وبالجملة فالشيخ رضي الله عنه قد آتي في هذه الجملة بجوامع التوحيد , وينابيع الإيمان , وخالص الحقيقة , على بساط تعظيم الربوبية , وافتقار العبودية .
فاشعر باتساع الرحمة في عين الجلال , وبالجلال الواسع في عين الرحمة .
ثم يسال الشيخ مولاه العصمة التي هي منع الوصول إلى الذنب بعد القدرة على وجه لا يمكن تخلفه , لا يجابه من الله , وان كان جائزا في اصله
ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( نسالك العصمة في الحركات , والسكنات , والكلمات , والارادات , والخطرات , من الظنون , والشكوك , والأوهام الساترة للقلوب عن مطالعة الغيوب .)
قلت :
سؤال العصمة من موجبات الحجاب بأي وجه كانت , لان الحجاب اصل كل بلية , كما أن العصمة اصل كل وقاية , حتى لقد قيل : أنها الامتناع من الذنب مع استحالة الوقوع فيه , أي امتناعه تحقيقا لا يجاب ذلك من الله عز وجل , لا انه مستحيل لذلك .
ثم أن العصمة تقع في نفس الأمر لمن خصه الله بها من نبي , أو ولي , أو غيرهما عموما , إلا أنها واجبة للأنبياء فلا يصح تخلفها عنهم , ولا دعواها من غيرهم , لجواز النقيض عليهم , وانما يصح وصف غيرهم بالحفظ الذي هو انتفاء النقيض مع إمكان الوقوع فيه , فالإنباء معصومون , والأولياء محفظون في حكم الظاهر .
وقد يكون الحفظ من العصمة في علم الله , ولكن لا سبيل لنا إليه , وان كنا نطلب وجوده , والله اعلم .
وقد قال تعالى : ( ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم ) , وقال نوح - عليه السلام - لابنه : ( لا عاصم من آمر الله إلا من رحم ) .
فقول الشيخ رضي الله عنه - نسالك العصمة - نريد أن نطلب منك آن تمنعنا من الذنوب بالستر عنها حتى لا نعرف طريقها , ولا تخطر لنا على بال , ولاتنزل بنا في حال من الأحوال , فتعصمنا في الحركات , التي هي التقلبات يمينا وشمالا , وخلفا وإماما ,
والسكنات هي : الثبات في محل واحد , دون تقلب , وجمعها كالحركات اعتبارا بتعددها في الحالات .
والكلمات , والحركات التي هي حركات اللسان , والقلب , كالنطق بالحروف , والاصوات .
والارادات : التي هي الميل إلي الأفعال , والأقوال بحركات القلب في الاختيار .
والخطرات : التي هي حركات الظمائر في التقلبات , أولها الهاجس , وهو غير مأخوذ به , وآخرها العزم والصحيح المؤاخذة به , وفيما بينهما اختلاف .
وهذه الخمسة هي مجاري الحسنات والسيئات , والذي يطلب العصمة منه فيها إنما هو الظنون , والشكوك , والأوهام الساترة للقلوب عن مطالعة الغيوب , غيوب الأسرار العرفانية , والأسرار الربانية , والحقائق الإيمانية , التي من حجب عنها وقع في الغموم والهموم , كما أشار إليه سيدي ابن عطاء الله في حكمه بقوله : -- ما تجده القلوب من الهموم والأحزان فلاجل ما منعت من وجود العيان --
----------------------------------------------------
ثم قوله رضي الله عنه ( الساترة ) : إلى آخره وصف للظنون والشكوك والأوهام , فهي تارة تكون ساترة , وتارة لا تكون ساترة , وقد استعاد من هذه لاعتراضها , وترك الأخرى لأنها موافقة للحق , أو غير ضارة فيه .
وقد ذكر الشيخ رضي الله عنه في هذه الجملة جميع الحركات النفسية وما فيها من النقص , فهو قد آتى فيها بتعريف النفس ونقصها , كما آتى في التي قبلها بذكر الرب تعالى بكماله , وهذا هو العلم النافع , والحقيقة التامة , فقد سئل الجنيد رضي الله عنه عن العلم النافع , فقال : هو ان تعرف ربك , ولا تعدو قدرك .
وعليه مدار كلام الشيخ هنا فتأمله راشدا , وبالله التوفيق .
ثم اعلم أن الظنون , والشكوك , والأوهام جمع ظن , وشك , ووهم :
فالظن : ما ترجح من طرفي الممكن .
والشك : ما استوى الراجحية والمرجوحية من الممكن .
والوهم : المرجوح من الطرفين .
وكلاهما مبادي الخير والشر , فيطلب صرفها , لئلا تتمكن فلا يصح نفيها , كما قيل : ادفع ردى الخواطر قبل أن يسري الهم لئلا يعيبك .
ومما قيل أيضا : أول الذنب الخطرة , كما أن أول السيل قطرة .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إياكم والظن , فآن الظن اكذب الحديث ) .
وانما ينشاء الظن الخبيث عن القلب الخبيث , لافي جانب الحق , ولا في جانب الخلق , كما قيل :
-- اذا ساء فعل العبد ساءت ظنونه ## وصدق ما يعتاده من توهم
-- وعادى محبته بقول عدوه ## واصبح في ليل من الشك مظلم
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ( خصلتان ليس فوقهما شيء من الشر , سوء الظن بالله , وسوء الظن بعباد الله , وخصلتان ليس فوقهما شيء من الخير حسن الظن بالله , وحسن الظن بعباد الله .
وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : قرأت ليلة , قل أعوذ برب الناس , فقيل لي : شر الوسواس وسواس بينك وبين حبيبك , يذكرك أفعاله السيئة , وينسيك أفعاله الحسنة , ويقلل عندك ذات اليمين ,. ويكثر عندك ذات الشمال , ليعدل بك عن حسن الظن بالله وكرمه إلى سوء الظن بالله , ورسوله , فاحذر هذا الباب فقد اخذ منه كثير من العباد والزهاد واهل الطاعة والسداد , انتهى .
والعافية الكاملة هي سكون القلب الى الله باليقين الموجب للرضا , والتسليم , والبلية كلها في الشك , والاضطراب , والتردد بين الخواطر المتزاحمة التي لا يهنا لصاحبها عيش , ولا يقر له قرار .
ومظاهر هذه الظنون والشكوك والأوهام , إنما هي البلايا الظاهرة , والمحن العارضة , وقد اجراها الله تعالى لعباده المؤمنين , ليميز الخبيث من الطيب , فيزداد اللذين آمنوا أيمانا , ويظهر على المنافقين كفرا وطغيانا .
ومن مقتضى ذلك أن يرجع المؤمنين إلى الله بالرجاء , والالتجاء , وتصديق وعد الله في الامتحان , والابتلاء , اذ قال تعالى : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم (
وقال سبحانه وتعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل اللذين خلوا من قبلكم ) .
وقال تعالى : ( ألم أحسب الناس آن يتركوا آن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) .
والى هذا أشار الشيخ بقوله:
فقد ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديد , وأذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) .
قلت : اتى الشيخ بهذه الجملة كالمتعذر عن سؤال العصمة , وتعريضا مما هو فيه من الشدة التي تحرك اثر النفس المثير لظهور المرض الكامن في القلب , المؤدي إلى سوء الظن بالله , كما وقع للمنافقين في شان الخندق اذ جاءهم العدو من فوقهم , ومن تحتهم , ومن اسفل منهم , وزاغت الأبصار , وبلغت القلوب الحناجر , وظن من في قلبه شيء بالله الظنونا , هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا , وظهر ما في قلوب المؤمنين على ألسنتهم , قال تعالى ( هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) .
فكأن ، الشيخ رضي الله عنه يقول : إنما سالت العصمة خوفا من الزيغ عند الابتلاء الذي لابد منه للمؤمنين حتى يميز الخبيث من الطيب , لانه لا عاصم من أمر الله إلا من رحم , وذلك من الشفقة على الإيمان , الذي هو راس المال , واساس الأعمال , قال تعالى ( ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم ) .
ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( فثبتنا وانصرنا , وسخر لنا هذا البحر كما سخرت البحر لموسى عليه السلام , وسخرت النار لإبراهيم عليه السلام , وسخرت الجبال والحديد لداود عليه السلام , وسخرت الريح والشياطين والجن لسليمان عليه السلام ) .
قلت :
هذه من الأعجاز إلى الصدور , وترتيب المقاصد من رد على المقدمات , فالتقدير فثبتنا في محل الزلل , وهو موقف الشدائد والأهوال ,
وانصرنا على أعدائنا من المنافقين والذين في قلوبهم مرض ,
وسخر لنا هذا البحر الذي نحن فيه معرضون لذلك , تسخيرا ينفي كل ما يخشى , ويأتي بكل ما يطلب ويرتجى .
وقد يقال : --
ثبتنا على الإيمان , وانصرنا باليقين , وسخر لنا هذا البحر من آمر الدنيا والدين حتى نسلم من الشكوك , والظنون , والأوهام , ونتأيد بحقائق الإيمان والإسلام , اذ من علامات التأييد حفظ التوحيد في أوقات الحكم , كما قالله سيدي ابو علي الدقاق .
والتشبيه في التسخير من جهة التيسير والكرامة , لامن جهة المقابلة والمناظرة , لان ذلك التسخر كان بكرامة الله , ومع إحسان الله , فكان مقويا للإيمان , كما انه مظهر للإحسان .
فسخر البحر لموسى عليه السلام في نجاته أولا حين ألقته أمه فيه , ثم سخره له ثانية بنجاته مع إهلاك مكذبه وغرق عدوه .
وسخرت النار لإبراهيم عليه السلام فجعلتها عليه بردا وسلاما .
وسخرت الجبال لداود عليه السلام والحديد بان تسبح معه بالعشي والإشراق وتؤوب معه إلى ربها , وتسخير الحديد له بتليينه له , ولمن حضر معه , يعينه في أعمال الدروع حتى صار كالعجين بين أيديهم .
وسخرت الريح لسليمان غدوها شهر ورواحها شهر .قال تعالى ( ومن الشياطين من يغصون له ويعملون عملا دون ذلك ) بل ( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ) كما اخبر الله سبحانه وتعالى عن ذلك .
والشياطين نوع من الجن لم يعمل خيرا قط , ولا آهل له , عكس الملك , فذكره الشياطين من قبل الجن من .الخصوص قبل العموم .
والله ورسوله اعلم .
ثم قال الشيخ رضي الله عنه : ( وسخر لنا كل بحر هو لك في الأرض , والسماء , والملك والملكوت , وبحر الدنيا , وبحر الآخرة , وسخر لنما كل شيء يا من بيده ملكوت كل شيء ) .
قلت :
فسؤال تسخير كل بحر في الأرض والسماء من باب إظهار الفاقة لكل شيء , وفي كل شيء , وفي ذلك تحقيق الافتقار إلى الله تعالى بكل حال , وانشدوا في ذلك :
-- واحسن كلي إليك مع الأنفاس محتاج ## ولو كان في مفرقي الإكليل والتاج
ثم الملك عالم الشهادة والحس , فهو ما شانه أن يدرك بالحس والوهم .
والملكوت عالم الغيب , والخفا , وهو من شانه ان يدرك بالعقل والفهم .
وهذا تفصيل بعد إجمال , واجمال بعد تفصيل , يدل على تعظيم الربوبية , وتحقيق العبودية , ولانه من باب اعظام المسئلة , لقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا سألتم الله فعظموا المسالة , فان الله لا يتعاظمه شيء ) , قالوا : اذن نكثر يا رسول الله , قال ( الله اكثر , والله اكبر ) .
------------------------
آداب الدعاء :
----------------
وقد استعمل الشيخ في هذا الطلب من آداب الدعاء البدء بالآحاد قبل الأعداد , فقد قال الإستاد آبو القاسم القشيري رحمه الله : كثرة المسائل قفل على الباب , وانما يسال الخير شيئا بعد شيء , كما اتفق لبعض الأمراء إذا قُدم له بعض الأسرى , فامر بضرب أعناقهم , فقال له رجل منهم : بالذي أعطاك ما أعطاك إلا ما أمنت علينا بشربة ماء , فامر بهم فسقوا , فلما شربوا قالوا له : بالذي أعطاك ما أعطاك لا تقتل اضيافك , فامر بعتقهم , وقال : ارحم من يقنع منك في الحال بدمعة .
ومن معنى ذلك أن أدعية القران قليلة مرتبة في الغالب , بل غاية ما انتهى إليها عددها سبع دعوات في آخر سورة البقرة , وخمسة في سورة ال عمران , ولم يرد اكثر منها في محل واحد , فافهم .واعرف ذلك .
ومن آدابه ألا يسال إلا ألا ليق به في وقته , والمحتاج إليه قبل المستغنى عنه , كما فعله الشيخ رضي الله عنه , وان لا يسال محالا شرعا , ولاعقلا , ولا عادة , :
--------------------
تعدد البحور :
----------
وفي كلام الشيخ تعدد البحور واختلافها حسا ومعنى , وذلك أوضح من مسمى البحر , فانه عبارة عن كل امر هائل , محتو على منافع ومضار غير محصورة حسا في الحسيات , ومعنا في المعنويات .
وقد جاء , إن في السماء بحرا , وتحت الأرض بحرا , بل بحورا , وفيما بين السماء والأرض بحرا .
والله اعلم .
--------------------------------
معنى الملك والملكوت ::
-----------------
والملك عالم الشهادة والحس , وهو من شانه أن يدرك بالحس والوهم كما تقدم .
والملكوت عالم الغيب والخفاء , وهو من شانه أن يدرك بالعقل والفهم كما تقدم أيضا .
-----------------------------------
معنى بحر الدنيا وبحر الآخرة :
--------------------------
وبحر الدنيا وبحر الآخرة , يعني البحر الذي هو بالدنيا , والبحر الدي هو الآخرة , فانهما هائلان ومهيلان , بل هما اعظم البحور , وفيهما معنوي وحسي , وكل ذلك لا يجري فيه إلا بتسخير الله , فوجب ان يرجع الى الله فيه .
وانما قال ( بيده ملكوت كل شيء ) ولم يذكر ملكه , اكتفاء بالأقوى عن الأضعف , فمن يملك ملكوته يملك ملكه ضرورة بخلاف العكس , والله اعلم .
ثم قال الشيخ رضي الله عنه : ( كهيعص , كهيعص , كهيعص )
قلت :
لقد اختلف العلماء في هذه الفواتح المعجمة في أوائل السور , فقال قوم : هي من المتشابه الذي لا يعلمه الا الله وحده .
وقال ابن السبكي : وقد يطلع الله عليه بعض أصفيائه .
وقيل هي خواتيم رب العالمين .
وقيل : هي اسم الله الأعظم .
وقيل : هي أعداد الملة المحمدية , وكم يدوم زمانها .
والذي يتحقق من ذلك أنها رموز لا يعلم حقيقتها غير واضعها , ولا يمنع اختلاف الفهم فيها من أن يكون لها معنى لا يدركه أحد من الخلق .
ومن وجوه الفهم , إنها تراجم على ما تضمنته السورة من معاني , والى ذلك نحا الشيخ برمزها , والله اعلم .
وهي خمسة أحرف : كاف الكفاية , وهاء الهداية , وياء الولاية , وعين العناية , وصاد الصدق .
وكل هذه الأسماء الخمسة ظاهرة في كل قصة من هذه السورة المباركة , ألا تراه كفى زكريا الموالي من ورائه , وهداه لدعائه , وشكره في حاله , باعترافه بعجزه عن ما أولاه من إصلاح زوجه , وإتيانه ولدا مع ضعفه , واظهر عنايته عليه , وعلى زوجه وولديه فيما تولاهم به , ثم فعل ذلك بمريم وولدها , وإبراهيم وولديه , وموسى وأخيه , وما منً به على أدرس , ونوح , وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام .
وتفصيل ذلك يطول , ووجه الفهم فيه بالبصائر أتم من الرسم .
وعلى هذا الوجه , فذ كر الشيخ لها إنما هو تعريض بطلب الكفاية , والهداية , والولاية , والعناية , وتحقيق الوعد في الإجابة في طي التسخير المذكور على وجه لا يحصره الحد , ولا يحصيه العد , ولاتمكن الإشارة إليه إلا بالرموز .
وكون لك على الوجه الواقع لمن ذكر كما تقدم في قوله (كما سخرت البحر لموسى ) إلى آخره فافهم .
وقد تكون الحروف من أسماؤه جل وتعالى : الكافي , والهادي , والولي , والعظيم , والصادق وعده .
وقد يكون المعنى إنها رمز في الوجهين لاتساع المعاني , وعظيم المباني , وقوة الأثر في النفس , واقتداء بالكتاب العزيز في رفع السر .
وتكرير الشيخ الكلمة ثلاثا , آما اعتبار لحصول المعنى المقصود في جسمه ,. وقلبه , وروحه , أو اعتبار بطلب ذلك في الظاهر والباطن , أو فيهما , واو اعتبار بالحال , والماضي , والاستقبال .
وقد يكون اعتبارا بالمنفصلات , والمتصلات , والأمور المشتركة .
وه>ا بحسب ما يتناوله الفهم , ويقرب لاذهان الخلق , وهو المقصود عند ذوي المعارف في بساط التعليم .
وقد رام بعض الناس اعتبر >لك بأعداد الحروف وما يجري فيها , والخواص وما يقال فيها , وتوهم اخرون ان هناك سرا لايفهم ولا يصح ان يمس بالإدراك .
والأول : مبارك , قريب , يثير قوة النية .
والثاني : بعيد لانه يسد باب الفهم .
وقد تقيد القلم عما سوى ما ذكرت , والآمر لله و حده , والسلام
ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( انصرنا فانك خير الناصرين , وافتح لنا فانك خير الفاتحين , واغفر لنا فانك خير الغافرين , وارحمنا فانك خير الراحمين , وارزقنا فانك خير الرازقين , واهدنا ونجنا من القوم الظالمين , وهب لنا ريحا طيبة كما هي في علمك , وانشرها علينا من خزائن رحمتك , واحملنا بها حمل الكرامة , مع السلامة والعافية في الدين والدنيا والاخرة , انك على كل شيء قدير .
قلت :
هذا تفسير لموقع التسخير بماذا يكون , كما ان قبله رمز واجمال له , فهذه الجملة تفصيل وتفسير في تفضيل , فالنصرة من بساط الكفاية , والفتح من بساط الهداية , والرزق من وجوه الولاية , والرحمة والهداية من عين العناية , والنجاة من صدق الوعد , قال تعالى ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) , وذكر الريح الطيبة رجوع للحاجة المناسبة , وكونها ريحا طيبة هو المقصود لا مطلق الريح , إذ قد تكون مهلكة , بل كل ما جاء في القران من الريح بالأفراد , إنما جاء بالإهلاك غير ما قيد في قوله تعالى ( وجرين بهم ريح طيبة ) في مقابلة قوله تعالى ( جاءتها ريح عاصف ) فافهم .
وقوله ( كما في علمك ) : تبري من الاقتراح بتعيين المطلب , ورجوعا للتفويض في تعيينه , وكأنه يقول : الريح الطيبة في علمك هبها لنا , كان ذلك موافقا لعلمنا او مخالفا له , لانه لا يعلم النافع والأنفع على الحقيقة إلا أنت , فانا قد نحب الشيء وهو شر لنا , ونكره الشيء وهو خير لنا , وقد وقع علينا من ذلك انا قد توقف علينا الريح , فكان جماعة منا يطلبون الريح الأريب لاعتقادهم انه الموصل الى طيب , وكنا نتجنب اقتراضهم في ذلك خوفا مما ذكرنا من ذلك , وربما نهيتهم عنه , فآتى الله بأريب عاينا منه الغرق , ولولا غيره جاء في الحال لكان ذلك , فرجع عقالهم لطلب الريح الطيبة على الإطلاق , فاسترحنا , واستمر الآمر والعافية .
ثم قوله رضي الله عنه
وانشرها علينا من خزائن رحمتك ) : يعني , واجرها لنا بالرحمة , ومن عين الرحمة , لا بالغضب , ولا من عين الغضب , لانه تعالى قد يرحم بما به يعذب , وبعذب بما به يرحم , وقد اهلك الله قوم عاد بالريح , وسخرها لسليمان عليه السلام , فكانت من النعم في ملكه ,و أجراها كذلك في البر والبحر ,. وكذا سائر الاسباب الجارية , يرحم بها قوما ويعذب بها قوما آخرين , فإذا جرت من بساط الرحمة كانت نعمة , وإذا جرت من بساط الغضب كانت نقمة , ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يقول عند هيجان الريح : ( اللهم لا تهلكنا بسخطك وعقابك وعافنا قبل ذلك )
وقد يكون طلبه من بساط الرحمة لا بسبب ولا بعلة .
وقوله رضي الله عنه
واحملنا بها حمل الكرامة مع السلامة والعافية في الدين والدنيا والآخرة ) يعني واحملنا بالريح حمل الكرامة التي حملت بها آدم وبنيه , ونوحا وذريته , فقلت وقولك الحق : ( ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) .
واحترز بحمل الكرامة من حمل الإهانة الذي سلط على قوم عاد , اذ كانت تحمل البعير بحمله , قال تعالى : ( ما تذر من شيء آتت عليه إلا جعلته كالرميم ) .
والسلامة, نفي العوارض والآفات حتى لا يلحقه شر ولا ضر .
والعافية , خلو الوقت عن الانزعاج , والاضطراب , والتغلب , ثم ان كان بالسكون إلى الله والرضى عنه فعي العافية الكاملة .
وان كان بجريان الأسباب الموافقة فهي العافية العادية , والسلامة في الدين بامتثال الأوامر , والاستسلام للقهر من غير مناف , ولا معارض .
والسلامة في الدنيا , بجريان الأغراض على الموافقة , ونفي العوارض عن كل حالة موافقة ..
ويجمع ذلك العيشة الهنية والحالة المرضية , لانه لا يتم امر الدنيا والآخرة إلا بالهناء , حتى إن آهل الجنة في الجنة لولا قوله تعالى (هنيئا ) بعد ( كلوا واشربوا ) ما صح كونه منة عليهم .
وقول الشيخ رضي الله عنه ( انك على كل شيء قدير ) : يعني أن ذلك لا يعز عليك , ولا يبعد في قدرتك ان تعطيني ذلك بلا سبب ولا علة .
وفيه إشعار بعجز العبودية , واتساع الربوبية , والمنع والعطاء , والتيسير , وغيره
ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( اللهم يسر لنا أمورنا مع الراحة لقلوبنا وأبداننا , والسلامة والعافية في ديننا ودنيانا , وكن لنا صاحبا في سفرنا , وخليفة في أهلنا , واطمس على وجوه أعدائنا , وامسخهم على مكانتهم فلا يستطيعون المضيء ولا المجيء إلينا ) .
قلت :
لما سال الشيخ رضي الله عنه العافية والسلامة في الدين والدنيا والآخرة , سال التيسير في مع ذلك في الأمور , لانه ليس لازم لهما ,. ولا عبرة به إلا معهما , وكل ذلك دون راحة القلب والجوارح لا فائدة فيه .
وانما قدم ذكر الدنيا على الآخرة لان السلامة والعافية فيها اصل في تحصيل الآخرة , وكمال فضائلها , إذ لا كمال مع فساد الطبيعة , ولا راحة من مزعجات النفس , ولابد من علم , وعقل , وعيش في جميع الأحوال ,
ولذلك قال سيدي بن عطاء الله في الحكم : من تمام النعمة عليك آن يرزقك ما يكفيك , ويمنعك ما يطغيك , ليقل ما تفرح به , ويقل ما تحزن عليه . انتهى .
وانما سال رسول له صلى الله عليه وسلم ربه ان يجعل قوت اله كفافا بكفاف حتى لا يكون له عدم مزعج , ولا وجود مشغل , ويرحم الله آبا علي الثقفي رضي الله عنه حيث قال : أف لاشغال الدنيا إذا أقبلت , ولحسرتها إذا أدبرت , والعقل لا يركن إلى شيء إذا اقبل كان شغلا , وإذا أدبر كان حسرة .
وانشدوا في ذلك :
--- ومن يحمد الدنيا لعيش يسره ### فسوف لعمري عن قريب يلومها
--- إذا أدبرت كانت على المرء حسرة ### وان أقبلت كان كثير همومها .
وقول الشيخ رضي الله عنه ( وكن لنا صاحبا في سفرنا وخليفة في أهلنا ) :
يعني لا نظلم ولا نضام , ويجري الخير فيما خلفنا كما هو معنا , وهذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم (( اللهم آنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل )) .
والخليفة , هو كافل الآمر وكافيه بعد مستحقه بتوكيله .
والصاحب , الملازم بإبداء المنافع ودفع المضار , واطلاقها في حق الباري سبحانه على معنى الكفاية , والكفاية بزيادة الرحمة , والإعانة , وإجراء المنافع , ودفع المضار , ولولا أن الشارع آتى بهذين اللفظين ما صح إطلاقها على أحد , وانما أطلقها الشارع تقريبا للإفهام .
ثم اختلف العلماء في جواز ذلك لغيره اعتبارا بالمعنى وعُرف التخاطب , أو اتقاء مواقف الشبهة والإشكال , فتدبر ذلك , واعرفه .
وقول الشيخ رضي الله عنه ( واطمس على وجوه أعدائنا ) :
معناه رد وجوههم
على أدبارهم , حتى لا يمكنهم التصرف على وجه يريدونه , ولا بوجه مستقيم , قال تعالى
( من قبل ان نطمس وجوها فنردها على أدبارها )) , فجعل تفسير الطمس بردها على أدبارها , فانظر تفسيره .
وقوله ( وامسخهم على مكانتهم ) :
يعني الزمهم إياها عجزا وضعفا فلا يستطيعون المضي عن أماكنهم لغيرها , ولا المجيء إلينا فيستريح غيرنا منهم كما نستريح
ثم قال الشيخ رضي الله عنه , آية الطمس , والمسخ , والتغشية , فقال : قال تعالى ( ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون , ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ) .
قلت :
وانما تلي هذه الآية بعد الدعاء بمقتضاها تحقيقا لما تقتضيه من جواز إيقاع ذلك , واستدلالا لطلبه إياه , وتبركا بالآية في حصول المقصود منها في حق الأعداء , واشارة , لان وقوع ذلك من خاصيتها , لان كل ذكر فخاصيته في معناه , وتصريفه في مقتضاه , وسره في عدده , وعلى نحو ذلك جرى كل او جل من تكلم في الخواص بطريق القياس والنظر , كالقاضي التميمي , والشيخ أبو العباس البوني , وغيرهما والله اعلم .
وقد تقدم معنى الطمس , والمسخ , ومتى طمست الأبصار امتنع الإبصار , فاستبق أهلها الصراط لينفذوا فلم يجدوه , وان وجدوا لم يصلوه , وان وصلوه لم يقدروا النفوذ عليه , ولكنهم ممنوعون من ذلك لطمسهم ومسخهم .
( فأنى ) آي : كيف يبصرون مع ذلك , ثم رجع الشيخ رضي الله عنه لاول السورة فقال : قال تعالى ( بس والقران الحكيم .......................
ثم قال الشيخ رضي الله عنه : قال تعالى ( بس والقران الحكيم @ انك لمن المرسلين @ على صراط مستقيم @ تنزيل العزيز الرحيم @ لتندر قوما ما انذر آباؤهم فهم غافلون @ لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون @ انا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون @ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم لا يبصرون @ ) .
قلت :
وانما تلي الشيخ هذه الآية , لان سر الافتتاح يسري في كل السورة , ومدار السورة على مقدمتها , فالحرفان الأولان ترجمة ما تدور عليه السورة من الولاية , والسلامة , وظهور معنى اسمه السلام بعد الولي , وبيان ذلك انه افتتح بعد ذلك بقسمه بالقران الحكيم على انه صلى الله عليه وسلم من المرسلين , وانه على صراط مستقيم , وان ذلك الصراط المستقيم تنزيل الذي لا يذل من ولاه , الرحيم الذي يسلم من تولاه , وان ذلك لينذر قوما لم يسبق إليهم ولا لآبائهم إنذارا , فهم قول غفل , وان ذلك انذار , واعذار , وتنبيه لمن أراد الله نفعه , وإلا فقد حق القول على اكثرهم فهم لا يؤمنون .
وانما يؤمن ويتعطف الأقل الذي أراد الله به الإحسان , فهو إخبار عن تسليمه لنبيه وسلامته وولايته له , ولعامة المؤمنين من عباده .
ثم انظر كذلك الى اخر السورة تجده متتابعا , مسترسلا في المعنى , ومتحدا في السر والمبنى الى قوله تعالى ( فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون ) .
نعم , وجميع ما في القران يدور على ما ذكر من الولاية , والتسليم بمعنى انه مقصود له , ومن ثم جاء في الحديث الشريف ( قلب القران يس ) كما رواه الترمذي وغيره .
قيل : وقلب بس ( سلام قولا من رب رحيم , وامتازوا اليوم آيها المجرمون ) .
فان قلت : فلم آخر السورة عن الآية التي بعدها , وقدم الآية التي بعدها قبلها ؟
قلت :
إنما آتى بالآية أولا استطرادا , ثم ذكر أول السورة استذكارا , وكأنه تنبيه على آن معنى ما ذكر سار في كل ما ذكر , والآخذ منه بحسب المقاصد , ولا يضر التقطع اذا لم يكن مقصودا للتحويل ,. ولم يفهم تغير النظم , والله اعلم .
ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( شاهت الوجوه , شاهت الوجوه , شاهت الوجوه ( وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ) ) .
قلت :
شاهت الوجوه يعني ذلت , وخضعت , وخابت , وخسرت , فانصرفت بغير مرادها , مقهورة , مغلوبة .
وهذه الكلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين قابل الجيش بعد جولة المسلمين , وافتراقهم عنه لظنهم موته , إذ صرخ الشيطان , فاخذ صلى الله عليه وسلم كفا من الحصى , ورمى بها وجوههم قائلا : ( شاهت الوجوه ) فما منهم رجل إلا وجاء في عينيه الحصى المرمي به , وانهزموا فارين وهو صلى الله عليه وسلم يقول :
--- انا النبي لا كذب ### انا بن عبد المطلب
وانزل الله سبحانه وتعالى في ذلك ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) الآية , فهي موضوعة لهزم الجيوش , وصرف العدو تأسيا بالسنة , وعلى ذلك جرى الشيخ في سياقها , إذ الحقها بآية صرفها الأعداء ,وطمسهم طلبا للنصرة في الجملة , واتباع ذلك بقوله ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) , واستطرادا لذلك وتنبيها ان كل من دونه محتقر , اذ معنى ( عنت ) ذلت وخضعت ) .
والحي القيوم , هو الله سبحانه وتعالى , فهو حي لا يموت , وكل من دونه من حي يموت .
فالحي الذي يموت حياته مستعارة لا حقيقة لها إلا بالحي الذي لا يموت .
فالحي الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى , ومن سواه لا حياة له وان كان حيا , لانه معه كالميت في الوجود , ولا حركة الا به , وان كان له وجد من القدرة فلا اثر لها .
والقيوم هو القائم بنفسه الذي لا يجوز عليه الافتقار , والقائم بغيره الذي كل شيء مفتقر إليه في قيام , وهو القائم على كل نفس بما كسبت , أي المجازي لها بما فعلت , فالحي القيوم من الأسماء العظيمة , أسماء الذات الكريمة ,
قيل : وهي اسم الله الأعظم , وهو الذي دلت عليه الأحاديث , وشهدت به حقائق المعاني .
وفي حديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها - : اسم الله الأعظم في آل عمرن والبقرة - وزاد غيره - وطه - وقو الشيخ رضي الله عنه ( وقد خاب من حمل ظلما ) يعني في الدنيا بعدم النصر , وانتفاء التأييد , وفي الآخرة بالطرد والعذاب الشديد , فهو متوعد بالخيبة في الدارين , ثم لابد من آخذة لا ينفعه فيها شيء , ولا يزال الله ينتقم من ظالم بظالم حتى ينتقم منهم جميعا , قال تعالى ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) .
وهذا كله على معنى الخبر في الآية , ويكون الشيخ رضي الله عنه اتى بها استطرادا وبناء على حسن الظن بالله , ويكون بمعنى الدعاء عليهم بالخيبة فيما هم به , فانظر ذلك وافهم
ثم قال الشيخ رضي الله عنه (طس , حمعسق , مرج البحرين يلتقيان , بينهما برزخ لا يبغيان , حم ,حم ,حم , حم , حم ,حم ,حم ,حُم الآمر , وجاء النصر , فعلينا لا ينصرون ) .
قلت :
هذه الرموز للتبرك , وعل الوجه الذي تقدم في ( كهيعص ) و ( يس ) من الإشارة والتنبيه ان شاء الله , فالطاء للطهارة , والسين للسلامة , والقاف للقدرة , لان سورة النمل قد أفادت كل قصصها طهارة المؤمنين وسلامتهم , وكذا كل ما ذكر فيها :
-- فأول ذلك طهارة موسى عليه السلام وسلامته من فرعون وقومه .
--وسلامة سليمان وداود عليهما السلام في ملكهما من كل نقص , وظلم , وقصور , وتقصير
-- ثم سلامة الهدهد وطهارته من المخالفة فيما هو به .
-- ثم سلامة بلقيس وطهارتها بالإسلام .
-- وسلامة جند سليمان عليه السلام وطهارتهم في مقابلة قومها .
-- ثم طهارة صالح عليه السلام وسلا مته من قومه .
-- ثم طهارة هود عليه السلام وسلامته من فعل قومه وآذاهم .
-- ثم طهارة عباد الله المخلصين , وسلام الله عليهم .
واجر على ذلك بقية السورة , واعتبر ظهور سر الملك والرمز له بالميم في بقية الطواسيم , وسقوطها من هذه لظهور معناها بوجه جلي , وانما يرمز للأمور الخفية حتى يكون سر المعنى ظاهرا من وجه الرمز , ومن ذلك إسقاطه البسملة من سورة التوبة , إذ إنما أسقطت فيها تنبيها على إنها اختصت من الرحمة ما لم يختص به غيرها , وهو تنزل الحق لعباده بالاشتراء , وتعريفهم بأحوال آهل الافتراء , حتى لا يقع مواقع الصد والامتراء .
وقس على هذا , واعتبر في الحواميم بما هو معناها , واعتبر قوله : ( حمعسق ) لان (حم ) للحماية , ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للصحابة يوم احد : ( ليكن شعاركم حم لا ينصرون ) , إذ آن الله يدافع عن اللذين آمنوا .
وترجمة ذلك في قولهم " الله مولانا ولا مولى لكم " في مقابلة قولهم " لنا العزى ولا عزى لكم "
وقولهم " الله أعلى واجل " في مقابلة قول قائلهم " اعل هبل "
وقوله ( عسق ) إشارة لاسمه العليم , السميع , القيوم , فتحصل العناية بالحماية , والسلامة , والقيام في الامور , اذ الحماية مرجوة بعلمه , وتسليمه , وقدرته بالحماية من حضرة الأفعال .
وما ذكر في العين , والسين , والقاف من معاني الصفات , وهما بحران جاريان في المخلوقات , ممتزجان في ظهور الاثر , غير ممتزجين بالحقيقة , والخبر بينهما برزخ هو الفعل والانفعال .
( لا يبغيان ) آي يدخل معناهما في بساط الجلال والجمال , بينهما برزخ لا يبغيان , آي لا يبغي واحد منهما على الأخير فينفيه او ينافيه .
ثم ذكر الشيخ الحواميم السبعة وعددها على أن وجوب الحمايات سبعة , يختلف اصلها , وفرعها , وبساطها , وانبساطها باختلاف في ظهورها ومظاهرها .
وقد جمع ما في ترجمة أولها من قوله تعالى ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا اله إلا هو إليه المصير ) .
كل واحد بسط على ما وقعت عليه بما فيها من القصص وغيرها , وتنبيه على ما دلت عليه , وفي كل سورة نكتة جامعة , وآية واضحة , وشانها كظهور عزه وعلمه في السورة الأولى التي نكتتها ( انا لننصر رسلنا ) الاية ’ وخاتمتها قوله تعالى ( سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ) .
وظهور غفرانه وعطفه في السورة الثانية التي طالعتها ذكر الرحمة ونكتتها قوله تعالى ( ما يقال لك الا ما قيل للرسل من قبلك ان ربك لذو مغفرة وذو عقاب اليم ) , وخاتمتها قوله تعالى ( أولم يكف بربك انه على كل شيء حفيظ ) الى قوله تعالى ( محيط ) .
وظهور توبته وعفوه في السورة الثالثة التي طالعتها ذكره تعالى انه علي , عظيم , ونكتتها قوله تعالى ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون ) , وخاتمتها قوله تعالى ( وانك لتهدي إلى صراط مستقيم ) .
وظهور عقابه للكافرين وزجرهم في سورة الزخرف , وهي الرابعة , واعتبر ذلك بما في طالعتها من قوله تعالى ( وكم أرسلنا من نبي في الأولين ) ونكتتها في ذكر تفاصيل عذاب آهل النار , وندائهم بقوله تعالى ( ليقض علينا ربك ) الى غير ذلك , وخاتمتها قوله تعالى ( فاصفح عنهم وقل سلام فسوف تعلمون ) , وظهور طوله اي غناه .
ووجود الخير في بداية السورة الخامسة , التي هي سورة الدخان التي طالعتها قوله تعالى ( فيها يفرق كل امر حكيم ) ونكتتها قوله تعالى ( ان يوم الفصل ميقاتهم اجمعن ) إلى قوله تعالى ( ذق انك أنت العزيز الكريم ) , ثم الى آخر السورة ظاهر في تعريف الغنى والعز , وظهور الألوهية وبرهانها في سورة الجاثية , إذ بذؤتا وجه الاعتبار , وأوسطها قوله تعالى ( ثم جعلناك على شريعة من الآمر فاتبعها ) وخاتمتها قوله تعالى ( فلله الحمد رب السموات ورب الأرض ورب العالمين ) .
ثم ذكر ان الأمور تصير إليه سبحانه وتعالى في سورة الأحقاف , اذ جعل طالعتها مبدا الخلق واليه المنتهى أولا , وجملتها بسط وجودهم وموجودهم , وخاتمتها قوله تعالى ( فهل يهلك الا القوم الفاسقون ) .
فتأمل ذلك , وانظر ببصر بصيرتك , تجده تام الاعتبار , على وجه لا اقدر على استيفائه , ولا يستوفيه إلا ذو القلوب والأبصار , واهل النظر والاعتبار , وربك الفتاح العليم .
وقوله ( حُم الآمر ) معناه اشتد , واستوى , وتتابع بالحماية .
وقوله ( وجاء النصر ) : آي الإعانة بيد القدرة .
وقوله ( فعلينا لا ينصرون ) يعني الأعداء , ومن في معناهم , وقد جاء في الحديث الشريف ( من قراء آية الكرسي , مع أول حم المؤمنين , في صبيحة يوم , حفظ حتى يمسى , ومن قراها مساء حفظ حتى يصبح ) وروي مع ذلك سورة الدخان .
وقد تقدم الكلام عليها , فتأمله راشدا , وبالله التوفيق .
ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( بسم الله بابنا , تبارك حيطاننا , يس سقفنا , كهيعص كفايتنا , حم عسق حمايتنا , فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم )
قلت :
يقول الش